وزير العمل الجديد بين توطين الوظائف وتوفير الوظائف

وزير العمل الجديد بين توطين الوظائف وتوفير الوظائف

الاقتصادية

د. عدنان بن عبد الله الشيحة

الجميع أعينهم على وزير العمل الجديد المهندس عادل فقيه, يرقبونه متفائلين ومتوجسين ماذا عساه أن يفعل تجاه خفض معدل البطالة المرتفع؟ البطالة التي أقضت مضجع الاقتصاد الوطني وصارت قدرا محتوما لأغلبية الشباب ومصدر إزعاج لرجال الأعمال, خاصة عند ربطها بتوطين الوظائف وترشيد الاستقدام. قضية البطالة تتفاقم وتزاداد تعقيدا, وهي أحد أهم التحديات الوطنية, ومشكلة متشعبة لها تبعات سلبية تطول جميع مناحي الحياة للأغلبية العظمى من أفراد المجتمع. التوجس الذي يحمله الباحثون عن العمل وأصحاب الأعمال من الوزير الجديد مصدره أنه لا أحد يعلم ما رؤيته وسياساته وأجندة عمله, وعليهم الانتظار على الأقل سنة أو أكثر حتى تتضح نواياه تجاه معالجة الأزمة, فالوزراء المعينون حديثا غير مطالبين بالمثول أمام مجلس الشورى لتوضيح برامجهم للسنوات الأربع وعرض أهدافهم التي يطمحون إلى تحقيقها، ومناقشة مدى واقعيتها وفاعليتها, ولتستخدم في تقييم أدائهم ومدى التزامهم بما قطعوه من وعود. رجال الأعمال سارعوا لمباركة تعيين الوزير الجديد ومطالبته بالغاء ما سموه "قرارات تعسفية سابقة", وهذا يعني رغبتهم في العودة إلى المربع الأول في السماح بالاستقدام دون قيد أو شرط. ما شجعهم على الإفصاح عن تطلعاتهم كون الوزير فقيه رجل أعمال في الأصل وبخلفية تجارية, بل هو رئيس سابق لغرفة تجارة وصناعة جدة قبل أن ينخرط في العمل الحكومي كأمين لمدينة جدة. هذا يعني في ظاهر الأمر أنه يتفهم التحديات التي تواجه رجال الأعمال, إن لم نقل الميل إلى جانبهم في حرصهم على زيادة أرباحهم, وهو أمر مشروع, شريطة ألا يكون على حساب المصالح العليا للوطن, فالمصلحة الوطنية مقدمة على المصالح الذاتية والآنية لأنها تحقق المنفعة للجميع وليس لفئة دون أخرى. ويخشى أن تشكل التصريحات الإعلامية السريعة والواضحة من قبل رجال الأعمال, ومع تأثيرهم ونفوذهم, قوة ضغط تمنحهم الأفضلية مقارنة بالباحثين عن العمل الذين لا يملكون تنظيما يجمعهم ويتحدث باسمهم ولا قوة تأثير, وربما كان ذلك سببا في أن تنحاز سياسات الوزير لمصلحة رجال الأعمال على حساب الباحثين عن العمل. قد يكون ذلك تصورا مبدئيا, إلا أن نظرة عميقة لتداعيات مشكلة البطالة وما تفرزه من مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية تجعل المسؤول الأول عن قطاع العمل أكثر حرصا على الموازنة بين مصالح رجال الأعمال والباحثين عن العمل, أو هكذا يفترض!

إن التحدي الذي يواجهه الوزير فقيه هو في الموازنة بين مصالح طرفي المعادلة, أصحاب العمل وطالبي العمل, وهذا يقتضي تحقيق هدفين اقتصاديين على المدى البعيد, الأول النمو الاقتصادي والآخر كفاءة توزيع الدخل. الهدفان يتحققان بتحفيز الاستثمارات الداخلية والخارجية في إنشاء صناعات رأسمالية تحويلية توفر وظائف ذات دخول مرتفعة, فالقصد ليس توفير الوظائف كما وحسب, إنما وظائف تمنح الشاب السعودي فرصة العيش في مستوى يتناسب مع متوسط الدخل الوطني، وهذا ما لا تستطيعه المصانع الاستهلاكية التجميعية التي يتهافت عليها أغلبية رجال الأعمال، فهي تعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة ولا تسهم في إضافة قيمة إلى الاقتصاد الوطني ونموه. هذه السياسات الوطنية طويلة المدى لا تخص وزارة العمل فقط, إنما تشترك فيها جهات أخرى, وفي مقدمتها هيئة الاستثمار ووزارتا الاقتصاد والتخطيط والمالية, لكنها تلقي بظلالها على سياسة وزارة العمل في المدى القصير، على سبيل المثال قد يتحدد عدد تأشيرات العمالة الوافدة لكل منشأة حسب طبيعة الصناعة تحويلية أم استهلاكية، وتحديد رسوم رخص العمل للعمالة الأجنبية بمستويات لا تستطيعها إلا المصانع الكبيرة ذات التقنية العالية. قد يرى البعض أن هذا تنفير للمصانع الاستهلاكية الصغيرة وانتقالها إلى دول مجاورة، وهو أمر محمود غير مأسوف عليه، إذ إن هذه المصانع تجلب أضرارا اقتصادية أكثر مما تجلبه من منفعة, فهي لا تسهم في نمو الاقتصاد وتساعد على تسرب الأموال خارج الاقتصاد الوطني، بل إن المستفيد الأول من هذه المصانع الرخيصة هو العمالة الأجنبية وكأنما أنشئت من أجلهم فهي تناسب مهاراتهم المتدنية وأجورهم المنخفضة. من المهم تكبير الكعكة الاقتصادية وزيادة الإنتاج والدخل, لكن الأهم أن يكون هناك توزيع كفء لهذا الدخل بحيث لا يستحوذ على العوائد الاقتصادية من العملية الإنتاجية فئة صغيرة هي الأكثر حظا دون باقي المجتمع, فهكذا نقضي على الطبقة الوسطى العمود الفقري لأي اقتصاد, وحينها يكون الجميع خاسرا.

يلزم التفريق بين توطين الوظائف وتوفير الوظائف, فتوطين الوظائف إحلال العامل المواطن مكان العامل الأجنبي, وهو معالجة سريعة للوضع الراهن. لكن السؤال: هل جميع الوظائف تناسب المواطنين؟ بطبيعة الحال, لا، لذا كان من الأجدر التعرف على تركيبة العمالة السعودية, التي تحمل مؤهلات عالية فنية وتقنية ومهنية ومن ثم توظيفها في أعمال تتناسب مع مستواها. الحديث عن توطين الوظائف اقتصر فيما مضى على الأعمال ذات المستويات المتدنية, التي كان من المفترض تركها للعمالة الأجنبية, بينما تهيئ الفرصة للمواطنين في الحصول على الوظائف القيادية والإشرافية والفنية والتقنية ذات الدخول العالية. ومع هذا لا نستطيع أن نستمر إلى الأبد في التركيز على سياسة توطين الوظائف دون التفكير جديا في توفير وظائف جديدة عبر تحفيز النمو الاقتصادي. توفير الوظائف يقتضي التحول جديا نحو الصناعات التحويلية والاقتصاد المعرفي والرقمي. لأنه لم يعد مقبولا في ظل الرخاء الذي تعيشه السعودية واقتصادها الريعي, أن تصل نسبة البطالة إلى مستوى تعدى 10 في المائة وربما بلغ 20 في المائة أو أكثر حسب التقديرات المتفاوتة, فهذا يشير إلى أن هناك عدم توافق بين مستوى الوظائف المعروضة ومخرجات التعليم التقني والجامعي. هل يصح أن نطلب من خريج جامعي أو معهد تقني أن يزاول مهنة لا تتطلب مهارات مهنية ومعرفية؟ كيف يستقيم أن يكون لدينا أعداد كبيرة من خريجي الجامعات لا يجدون عملا؟ البعض يتحجج بأن المواطن لا يرغب في العمل, وهذا غير صحيح ألبتة, والحقيقة أنه يرفض العمل في وظائف لا تمنحه الدخل الذي يتناسب مع مهاراته والوقت الذي استثمره في الدراسة والتدريب، تماما مثل رجل الأعمال الذي يرفض الاستثمار في مشاريع ذات عوائد متدنية. إننا في حاجة إلى تصنيف الوظائف حسب مستوى الدخل والمهارة التقنية والفنية بحيث تحدد حصص للعمالة الوطنية في كل مستوى حتى إن اقتضى الأمر تدريبها للحصول عليها، فذلك أجدى اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. الوزير فقيه لا يستطيع عمل كل شيء, وهو يحتاج إلى الدعم والمساندة من الجميع لأن قضية خفض معدل البطالة قضية وطنية تهم الجميع وتتطلب النظر إليها من منظور المصلحة العامة المستدامة وليس المصلحة الذاتية الآنية.
__________________

اذا أعجبك موضوع من موضوعاتى ..فلا تشكرنى ولكن أدع لي (في ظهر الغيب) بالآتي

اللهم اغفر لها ما تقدم من ذنبها و ما تأخر..
اللهم بارك لها في عمرها ...
و احسن خاتمتها...
واجزها الجنة هي وأهلها والمسلمين كلهم أجمعين

ولكم بالمثل إن شاء الله

اللهم اغفر لها ما تقدم من ذنبها و ما تأخر..
اللهم بارك لها في عمرها ...
و احسن خاتمتها...
واجزها الجنة هي وأهلها والمسلمين كلهم أجمعين

ولكـ بالمثل

تششكر يسود الصمت